يضيء ليل الأمة الإسلامية كاشفا عن المزيد من أعدائها
لن يتخاذل شعب سوريا -أهلُ الشام- عن نصرة الدين، فهذا قدرهم، فهم أرض الإيمان، وسيذهب بشار وعصابته ومعاونوه عاجلاً أو آجلاً، وسينصر الله هذا الدين بجنود مسلمين لا يخشون في الحق لومة لائم...
مهما امتلكنا من بلاغة القول لنمدح أهل الشام فلن نوفيَّهم حقَّهم على أهل الإسلام، ويكفيهم ويزيدهم فخراً وعزاً ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقهم وفي سكنى أراضيهم التي شرفها الله سبحانه.
فعن زيد بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! قالوا: "يا رسول الله وبم ذلك"؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام». (فضائل الشام بتصحيح الألباني) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام» (فضائل الشام).
وعن معاوية رضي الله عنه مرفوعاً: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» (أخرجه الترمذي وصححه الألباني).
وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان سيظل بالشام في الوقت الذي يعاني منه المسلمون من ظلام الفتن، ففي مسند الإمام أحمد عنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ، أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».
فالشام التي أخرجت الإمام العز بن عبد السلام الذي أضاء الدنيا بعلمه وألهب العواطف الإسلامية بما تأجج في صدره من حب للجهاد ونصرة للإسلام، فتحركت معه جيوش المسلمين من أرض مصر وتصدت لخطر التتار المحدق بعد أن هدم أركان الخلافة في بغداد حاضرة الإسلام، وهي تلك التي أخرجت شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قاد الصفوف أيضاً، لتعيد لنا اليوم مرة أخرى العاطفة الإسلامية وحب الجهاد ورفعة هذا الدين.
ولقد أصبحت الدماء المسلمة الزكية من أهل سوريا مَعلماً من معالم الهُدى، في الطريق إلى جنات الله ورضوانه، ونبراساً منيراً في ليل حالك لم يكن المسلمون يستطيعون فيه تمييز الغث من السمين، فصارت ساحتها ساحة تمييز لكل القوى، ميزت للمسلمين الحق من الباطل، أسقطت الأقنعة عن الوجوه التي طالما خدعت الأمة الإسلامية عقوداً طويلة.
فقد ميَّزت دماء السوريين بين علماء السلاطين وبين أهل الحق من أهل العلم، فالأولون إما سكتوا ورضوا بالجور وسفك الدماء، وإما قاموا دعماً للنظام الفاسد، كما ميزت بين لابسي الأقنعة السياسية وبين أصحاب المواقف المخلصة، وميزت بين القادة الخائرين والمأجورين، وبين أصحاب العزة والنخوة والكرامة.. لقد قام الدم السوري بحق بدور كشاف نور في طريق ظلمة.
جمهورية إيران: عقود طويلة مرت على ما أطلقت على نفسها بالثورة الإسلامية التي أعلنت أنها جاءت لتقيم أول جمهورية إسلامية، فخدع فيها المسلمون وظنوا أنهم سيجدون منها نصرة لقضايا المسلمين وقوة تدفع الظُّلم عن المظلومين وخاصَّة حينما كوَّنت لجنة سُميَت بلجنة القدس وأقامت طرفاً من جيشها وأسمته بفيلق القدس، واستمرت الخديعة عهوداً طويلة، والمسلمون ينتظرون موقفاً واحداً منهم لنصرة القضايا الإسلامية ولكن هيهات، فلم يصدر منهم إلا التصريحات والحروب الكلامية فقط في حين ظل التعاون المثمر بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة مستمراً وسرياً طول الوقت.
فصفقات الأسلحة تتدفق من هنا وهناك منذ أول يوم لأيام الثورة الإيرانية، ولعلنا نضرب مثلاً فقط أن جريدة مثل "ميدل إيست" البريطانية قالت في عددها الصدر في نوفمبر عام 1982م: أن مباحثات جرت بين إيران وإسرائيل تم بموجبها عقد صفقة تبيع فيها إيران البترول إلى إسرائيل في مقابل أن تبيع إسرائيل أسلحة إلى إيران بمبلغ 100 مليون دولار كانت قد صادرتها من الفلسطينيين بجنوب لبنان!!
وما تعلنه الإدارة الإسرائيلية دوماً وعلى أكثر من مستوى أن إيران لم تمثل في يوم من الأيام عدواً، فقال "ديفيد ليفي" وزير الخارجية اليهودي في حكومة نتنياهو وذلك في صحيفة (هآرتس) الصادرة في 1-6-1997م: "إن إسرائيل لم تعتبر في يوم من الأيام أن إيران هي العدو" وفي حديث أكثر وضوحاً لا تنقصه الصراحة يقول الإعلامي اليهودي (يوسي مليمان) نشرته صحيفة (لوس انجلوس تايمز): "في كل الأحوال فإن من غير المحتمل أن تقوم إسرائيل بهجوم على المفاعلات الإيرانية، وقد أكد عدد كبير من الخبراء تشكيكهم بأن إيران - بالرغم من حملاتها الكلامية - تعتبر إسرائيل عدواً لها، وأن الشيء الأكثر احتمالا هو أن الرؤوس النووية الإيرانية موجهة للعرب".
ثم خرج كتاب حلف الغدر للمفكر (تريتا بارسي) في العام 2010م ليكشف بالوثائق كثيراً مما خفي من الاتفاقات والتعاهدات وتبادل المصالح بين إسرائيل وإيران.
لقد جاءت أحداث سوريا ليدفع السوريون ثمن الريادة والقيادة للأمة حينما يضيئون بدمائهم الطريق، وتظهر الحقيقة ساطعة لكل المسلمين المنخدعين في هذا النظام، وفي هذه الجمهورية التي تتشدق بإسلاميتها -والإسلام والمسلمين من أفعالهم براء - وهي حرب على أهل السنة، ولم تكن يوماً من الأيام عوناً لهم على أعدائهم، فكم من الفضل لأهل الشام على المسلمين ولدمهم الزكي الغالي الذي نصر الإسلام.
حزب الله اللبناني الشيعي: وجاء الابن الربيب لإيران وزعيمه الذي يجذب أسماعهم بحديثه لينصِّب من نفسه حامي حِمى ديار المسلمين، وأنه يقف مهدداً لإسرائيل على البوابة الشمالية لها، ليخوض معهم حروباً وهمية كاذبة تنتهي بادِّعائه الانتصار، ليتحوَّل حزب الله بين عشية وضحاها إلى المدافع الوحيد عن الحق المسلم أمام إسرائيل ويتحول زعيمه إلى نموذج القائد المسلم الذي يجيش الجيوش لحرب مع الصهاينة، وليفترق شمل الأمة الإسلامية بين مدرستين فكريتين، الأولى: وهي غالبية العلماء الشرعيون الذين يعرفون المؤامرة ويطَّلعون على خبايا العقيدة الشيعية الضَّالة المُضلَّة والذين يعلمون خطر الشيعة على الأمة الإسلامية وليحذروا من الانبهار بالنموذج الشيعي لحزب الله وبزعيمه، والثانية: عامة المسلمين الذي اكتووا من نار الصهاينة والذي يسمعون ويقرؤون ويتألمون مما يحدث يومياً من الاعتداءات الصهيونية على إخوتهم في فلسطين، وإنهم يتمنون اليوم الذي يرون فيه جيشاً إسلامياً يحمل راية إسلامية ويقاتل اليهود.
وكانت فتنة عظيمة واجه فيها العلماء الصعوبات البالغة مع جموع شعوب تتوق ليوم القصاص، والذي قال قائلهم: "لو حارب اليهود الشيطان لوقفوا مع الشيطان ضد اليهود"، وبالفعل ارتفعت أسهم حزب الله بشدة في المجتمعات الإسلامية وعلقت صور حسن نصر الله في غالب البيوت الإسلامية وعلى سياراتهم، ومنهم من غالى في تكريمه لدرجة أن أطلقوا عليه صلاح الدين العربي، تشبيهاً له بالبطل السني المسلم صلاح الدين الأيوبي محرر القدس الشريف.
وجاء الدم السوري ليكشف حزب الله على حقيقته وليُظهرها لكل المسلمين الغافلين الذي خدعوا فيه -ومنهم بالطبع قطاع عريض من السوريين أنفسهم -، ليكتشفوا مدى الخسَّة والوضاعة وكمية الحقد التي يحملها هذا الحزب للمسلمين السنَّة حينما يرسل بشبيحته ليقتنصوا الرجال والنساء والأطفال السوريين، ولتفتح مخازن الأسلحة في حزب الله التي لم يطلق منها إلا صواريخ ألعاب الأطفال على صحراء إسرائيل فقط- لتوجه إلى صدور السوريين بدلاً من اليهود، وليدعم حزب الله النظام السوري بكل ما يملك ويقاتل معه الشعب السوري بمقاتليه الذين طالما خدع الأمة الإسلامية أنه يعدُّهم لحرب مع إسرائيل.
فما أعظم الدم السوري وما أجلَّ كل نقطة فيه وما أكرمَها على أهل الإسلام، فهي التي أنارت الطريق للمسلمين وكشف حقيقة هؤلاء الضالين المضلين المضللين.
الحوثيون الشيعة في اليمن: ولم تتوقف المفاصلة بين قوى الحق والباطل على أرض الشام بثورتهم المباركة ودمائهم الطاهرة، فلا يزال الضالون المضلون يُكشَفون واحداً تلو الآخر، فهاهم الحوثيون في اليمن الذين لم يدرك غالبية المسلمين ممن لا يعرفونهم على حقيقتهم، ووقَف المسلمون أيضاً فريقين أمام خبر دخول قوات درع الجزيرة لإعادة الحوثيين إلى حجمهم ولمنعهم من التمدد الشيعي في العالم السني الإسلامي والسيطرة على اليمن المسلم وفقاً لمعاهدة بين دول مجلس التعاون، فمن الناس من عرف الحقيقة فأيَّد قوات درع الجزيرة، ومنهم من اعتبرها متجنيَّة عليهم نتيجة هذه الادعاءات الإعلامية الكاذبة التي يمارسها الشيعة ليل نهار، ولا يزال كثير من المسلمين غير متبيِّنين لحقيقة الحوثيين وعقائدهم وأفكارهم.
وجاء الدم السوري ليُظهر لنا كل الحَقائق، فتذكر العديد من وكالات الأنباء عن مقربين من الحوثيين الشيعة أن زعيمهم عبد الملك الحوثي أرسل جنوداً كدفعة أولى إلى سوريا بصورة سرية وغير جماعية لمشاركة بني جلدته - الأسد وإيران وحزب الله - في مواجهة الشعب السوري المسلم السني.
ومن عظيم الكذب والافتراء أن خطيب جمعة الحوثيين في ساحة الستين -التي أطلقوا عليها جمعة اللعنة على اليهود- ادَّعى أن ما يقوم به بشار الأسد وعصابته ومعاونوه من قتل المسلمين في سوريا هو نوع من مقاومة الاحتلال الإسرائيلي!! وأن على الجميع مسانده الأسد بالمال والسلاح حتى تحرير سوريا من الإسرائيليين والعملاء!!، وبهذا يرد الحوثيون بهذا الفعل الدَّين للحكومة السورية التي ساهمت في تدريباتهم العسكرية كما تردَّد على ألسِنَة بعض الضباط السوريين على عدد من المواقع الإخبارية.
وبقيت نقطة فاصلة: فإذا كان كل هذا الحشد العسكري العلني والمستتر من قبل الشيعة ليقتلوا وليذبحوا ثلَّة من المسلمين العزَّل، فهل لا يزال عند المسلمين السنَّة الخجل من إعلان نصرة هذا الشعب المسلم الواقع بين براثنهم؟! وهل ستتتخلى القوات الإسلامية عن تردُّدها وهل ستستمرُّ في محاولتها إيجاد حلول سلمية ودولية لا تغني ولا تسمن من جوع؟
الشعب السُّوري المسلم ينتظر وهو مستعد لبذل المزيد من الدماء طائعاً مختاراً في سبيل صحوة إسلامية يُدرك فيها المسلمون دورهم الحقيقي في الدفاع عن قضايا إخوانهم بل القضية الأساسية لجميع المسلمين.
ولن يتخاذل شعب سوريا -أهلُ الشام- عن نصرة الدين، فهذا قدرهم، فهم أرض الإيمان، وسيذهب بشار وعصابته ومعاونوه عاجلاً أو آجلاً، وسينصر الله هذا الدين بجنود مسلمين لا يخشون في الحق لومة لائم، وستبقى الشَّام مسلمة مأوَى للمُؤمنين عند الفتن ولتستعد المنارة البيضاء شرقي دمشق لاستقبال نبي الله عيسى بن مريم تصديقاً لقول أخيه محمد -عليهما الصلاة والسلام- في صحيح مسلم: «فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِي دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ».
وإنا لمُنتظِرون...
يحيي البوليني المصدر: موقع التأصيل
|