ليس بدعاً القول بأن مشهدنا التربوي بالرغم مما أحرزه من تطور ملموس في تخطيط وإعداد المناهج، والبرامج الدراسية، وإدماج مستجدات المعرفة الإنسانية، إلا أنه.. بات قاب قوسين من عتبة الإفلاس الأخلاقي، القيمي، فإذا كان قلب العصا حية معجزة، فإن تغيير العقول والقلوب أبلغ فى الإعجاز، وإذا كان إحياء الميت من الخوارق التى أيد الله بها بعض أنبيائه، فإن إحياء أمة أمية من الجهل والرذيلة، وجعلها مصدر إشعاع وهداية هو الخارق الذي تتضاءل فى جوانبه جميع المعجزات.
إن من سفه النفس أن يخاف الإنسان من الجهر بالحق، فإن الجهر بالحق لا يقدم أجلاً، ولا ينقص رزقاً، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحقرن أحدكم نفسه»، فقالوا: يا رسول الله: وكيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: «يرى أن عليه مقالاً، ثم لا يقول فيه، فيقول الله -عز وجل- يوم القيامة: ما منعك أن تقول فى كذًا.. وكذا ؟ فيقول خشية الناس.. فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى»، وقال الله عز وجل: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين} [فصلت: 22].
فمن المسلم به.. أن أدوار المدرس عرفت تراجعاً هاماً.. منذ تبني النزعة التقنية في التعليم، إذ انحصر دوره في.. تنفيذ المقررات الرسمية، والإلتزام بجدول مهام محدد سلفاً، فتراجع حضوره الرمزي، ودوره الأكيد في غرس القيم، والتنشئة العاطفية، وتمكين المتعلم من تمثل (القدوة الحسنة)، وهو ما يتطلب تمكين المدرس من هامش أوسع في التصرف، وحفزه على المبادرة، وتبني أساليب مبدعة في التواصل مع المتعلمين، إضافة إلى صيانة كرامته، ونبل رسالته من العبث الإعلامي، وإعادة البناء الأخلاقي داخل النفس الإنسانية، وبالتالي تعديل السلوك، وبناء علاقات طيبة تعتمد على حسن الخلق، واكتساب الأخلاق الحسنة كطوق نجاة -نحن الآن- في أمس الحاجة إليه، فالخروج من الأزمة الأخلاقية التي تعيشها منظومتنا التربـوية.. لن يـتأتى من خلال استيراد قيم مقطوعة الصلة بالإسلام وحضارته وثقافته، ولن يتحقق كذلك بتبني الصيغ الخطابية، والوعظية، وإنما بالرصد الواعي لأماكن الخلل، واستلهام الرؤية التصحيحية من رصيد الأمة الديني والأخلاقي، وهو ما يتطلب جرأة في التعامل، والفهم الدقيق مع القيم المستوردة، (فالصدق، والأمانة، والعدالة، والوفاء بالعهد) من الصفات الحميدة التي أوجبها الله، وكذلك: (المواساة، والتراحم، والسخاء، وسعة الصدر، والتعاون، والتسامح، والأخوة الصادقة) ينظر إليها الإسلام نظرة تقدير وإجلال، كما ينظر إلى (الصبر، والإنابة، والثبات، والحلم، وعلو الهمة، والبسالة) نظرة تعظيم واستحسان، ويعد (ضبط النفس، والعفو، وتجنب الرذائل) من مكارم الأخلاق التي يستحسنها الإسلام، ويحض على التحلي بها، وأما (اتباع الهوى، والنذالة، وقلة الأدب مع الله والناس، وسوء الخلق، وقسوة القلب، والبخل، وضيق الصدر، والكذب، والخداع، والحسد، والرياء، والغيبة، والنميمة، والجٌبن) فقد نهى الله عنها.
حين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقى؛ فإنه يفقد فاعليته العقلية والاجتماعية، مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون فى نمو وتوسع -تضبط سلوك الفرد من الداخل-؛ فالخلق الكريم يمنع صاحبه من الإضرار بنفسه أو بمجتمعه، إن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها داخل النفس، ففيها تصنع الانتصارات والهزائم الكبرى، وأساس النجاحات الشخصية نجاح خلقى فى المقام الأول، فالأخلاق سبب للسعادة فى الدنيا، فصاحب الخُلق الحسن يحب الناس ويحبونه، ويتمكن من إرضاء الناس فتلين له المصاعب، وينجح فى أعماله ووظائفه، ويترقى بسببها لأعلى الدرجات، وحُسن الخُلق سبب لأعلى الدرجات فى الآخرة، ففى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، وما من شيء أثقل فى ميزان العبد من حُسن الخُلق وحُسن الخُلُق سبب لصلاح المجتمع وسعادته، بل هو من أهم عوامل قوة الأمة ورفعتها، كما أن انتشار الأخلاق الذميمة فى مجتمع ما سبب لفساده وانهياره، والباحثون يعدون العامل الأخلاقي عامل نمو وحفاظ على الحضارات....
:: الإفلاس الأخلاقي وانهيار المجتمع :: :: تنمية الجانب الأخلاقي في الطفل ::
|