كلمني بعض أهل سوريا عبر الفيس بوك وهو من سكان دمشق، وخلال المكالمة انقطعت الرسائل، فتريبت في الأمر وكررت النداء، فاعتذروا لي بأن أصوات الطيران وشدة القصف أخذتهم وأفزعتهم وأنهم خائفون وجلون قلقون وينتظرون الموت في كل لحظة أو هجوم الشبيحة عليهم واقتناصهم من ديارهم ..
فهيجتني كلماتهم وأخجلتني عباراتهم، وأنا الذي أجلس في بيتي وسط أهلي وعشيرتي آمنا مطمئناً، بينما إخواننا في بلاد الشام وغيرها من البلدان يذوقون العذاب ألوانًا ويسامون الخسف إمعاناً في القهر والإذلال، وتلك حرائرهم تغتصب أعراضهن عياناً ومن تغتصب تقتل أمام أبيها وأبنائها وزوجها ......
فهالني ما سمعت، ولم أجد مناصاً وقد استأذنوا مضطرين للرحيل إلى مأمن أو ملاذ، إلا أن أكتب هذه الكلمات، أعتذر بها إلى الله من صمت حكامنا وتخاذلهم عن نصرة إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها .
كتبتها الآن 8.52م الجمعة الأولى من شوال 1433هـ 24-8-2012م.
تكلمني دمشق الشام تبكي!!
تُكَلِّمُنِي دِمشقُ الشِّامِ تَبْكِي *** على أطلال مهدوم الديارِ
تقول وقد علا صوت المدافع *** وطائرة الكذوب المستعارِ
تقول تزلزلُ الكلمات قلبي *** وتخلعه المعاني بانفجارِ
تقول وصرخة الأحرار تكوي *** لترثي عرض طاهرة الإزارِ
ومئذنة بإدلبَ أو حماةٍ *** وحمصٍ قد أصيبت بانهيارِ
تفجرها قذائف جيش كفرٍ *** هو الطاغوت بُشِّرَ بالبوارِ
لبشار عدو الله سحقاً *** لطائفة النصيري الحمارِ
وزاكية الدماء تسيل تجري *** هي الأنهار في وضح النهارِ
وأشلاءٍ هنا وهناك تلفى *** وقد قتلوا وأخرى في انتظارِ
وسارحةٍ ترى المرعى صريماً *** وقصر أو فناءٍ أو جدارِ
وجامعةٍ وكم نشرتْ علوماً *** وسوقٍ فيه منفعةٌ لشاري
وكم من عالم حبرٍ فقيهٍ *** سديد الرأي أعجز من يباري
وكم من قارئ القرآن فيها *** وقُوَّامٍ وصُوَّام النهارِ
وغنَّاء من الجناتُ ألقت *** جنيَّ القطف من أشهى الثمارِ
فدمرها الزنيم ربيب إفكٍ *** سليل العهر معتاد الفجارِ
حليف يهود ذو الورطات سبيٌ *** هو السفاحٌ ذو الفعل الشنارِ
أباح له ابن بوطيٍّ بغاه *** وحسونٌ بتشريع الدمارِ
وكم بلوى على الإسلام تجني *** بفتوى ذي هوىً أو ذي عوار
يُقَتِّل وَيْحَهُ الأبْرَارَ يَطْغَى *** فَزُلْ عن شامنا أرض العَمَارِ
يذبحهم هو الفرعون ضلت *** مزاعمه وعوقب بانكسارِ
وتبصر واثق الإيمان حرًا *** سميَّ النفس موفور الوقار
وقد دفنوه حياً ليت شعري *** ولا يرضى بكفرٍ أو تبارِ
يساومه الأشلُّ : اكفر فيأبى *** سوى الإيمان بالله اعتباري
وينْشَرُ آخرون مغللينا *** أكفهمُ بمشدود الإِسارِ
ويضرب ذا الفتى ليخر قهراً *** ليسجد للخصيِّ فلا يجاري
يقول : الله ربي ليس إلا *** وبشار له كل احتقاري
فنال بها الشهادة ثم خلداً *** بفردوس الجنان بخير دارِ
تكلمني الحرائر ويح قومي *** ألم يوقظهموا بالليل عاري
أطاب لهم منامٌ أو طعامٌ *** ومقتولٌ حليلي أو صغاري؟
وتغصب عفتي مني جهاراً *** أسامُ الخسف ليلي أو نهاري
وذلك عرضنا قد لاث فيهِ *** كلاب الفجرِ من يأتي بثاري؟
تكلمني العفيفة : أين حقي *** وهل بعد الكرامة من فخارِ
تلوم الصمت والإعراض عنها *** وعن إسلامنا دون انتصارِ
نظرت رأيت في عينيك حزناً *** يصيب شغاف قلبي بانفطارِ
رأيت الباس ينطق في شموخٍ *** برغم الحزن فازداد انبهاري
أمانيها ترى نصراً يُعَلِّي *** صروح الدين في كل الديارِ
أمانيها يروح العلج عنهم *** بخسرٍ ثم يصلى حر نارِ
أمانيها ترى الأبطال عادوا *** بمفخرة وعز واقتدارِ
أذاقوا الكلب بشار الرزايا *** وساموا جنده ذل انكسارِ
ومهما كان من صمت وخزي *** من الحكام أرباب الخوارِ
فسوريا بلاد الشام تبقى *** على أعدائها شؤم الجوارِ
ومقبرة لمن يبغي عليها *** لتلعنه الجبال مع القفارِ
وتحيى رغم أنف الغاشمينا *** بلاد الشام طاهرة الإزارِ
حرائرها عفيفات عذارى *** كذا أحرارها أهل افتخاري
ويفنى كل مفتات جحودٍ *** ويهلك في الضلالة ذو العوارِ
فإما قمتمُ يا قوم فيها *** بحق الله في حفظ الجوارِ
وإما نالكم ما تعلمونا *** من الأعداء من شؤم الحصار
وسنة ربنا في الكون نصر *** لمن نصروه أنعم بانتصارِ
وبدَّلَ غيرهم بهمُ إذا ما *** تولوا عنه باءوا بالصغارِ
فإن تتربصوا فالحق باقٍ *** على رغم العداوة في انتشارِ
وإن الكفر مقهور زهوقٌ *** وزاوٍ في انهزامٍ واندحارٍ
***
ابن الأزهر ومحبه
الشيخ أبو أسماء الأزهري
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية