حين كنا في مصر نرزح تحت الاحتلال العسكري بقيادة المجرم حسني مبارك حين كان الكثيرون يبحثون عن بارقة أمل و عن رائحة الفجر الذي غاب..حينها صعد الجيل الأخير من العثمانيون الجدد إلى سدة الحكم في تركيا..فرحنا فرحاً عادياً، كان الفرح لكونهم إسلاميين، وكان عادياً لأن النتيجة كانت معلومة، فإما يفشلون في إدارة البلد فيسقطون، أو يسقطهم انقلاب عسكري كالعادة..
كان النظام العلماني المتحصن بالبيادات في تركيا لا نظير له في العالم، لم يكن مسموحاً بأي مظهر للإسلام ولا لأي شعيرة، كما كانت التركة السياسية والاقتصادية بلغت حداً ميئوساً منه، كانت الحكومات تسقط في غضون شهور وكان الفساد السياسي في الذروة، وكان الفقر ضارباً في كل أنحاء الجمهورية التركية.
ثم تسلم تركيا، النسخة الأخيرة من العثمانيون الجدد الذين سيظهر بعد ذلك عبقريتهم في إدراك ما لم تدركه الأجيال السابقة من الإسلاميين في تركيا..
تسلم أردوغان ورفاقه بقايا دولة لم يعد فيها شيء إلا العلمانية العسكرية، كانت هي الشيء الوحيد القوي هناك
تسلم الأردوغانيون دولة بين الحياة والموت تحت أعين أشرس وأقبح خصوم يمكن أن يعمل أحد تحت رقابتهم
كان الخطأ يعني فشلاً جديداً وإحباطاً مراً وتأجيلاً آخر ربما يطول للحلم الإسلامي..
كان الخطأ ممنوعاً تماماً..
قرأ أردوغان ورفاقه رقعة اللعب جيداً ووعوا دروس التاريخ وراوغوا العسكر والعلمانيين وصليبيي العالم وصهاينته إلى الحد الذي جعل الخصوم يصدقون أنهم لا يمثلون خطراً وأنهم يقدمون نسخة مميعة من الإسلام الذى يرضي عنه الغرب حتى أن كثيراً من الإسلاميين خون العثمانيين الجدد..
حين بدأ أردوغان ورفاقه مشوار الألف ميل كانت المظاهرات تخرج ضدهم كل يوم وكان الإعلام يمسح بهم أسفلت تركيا، كان الحجاب ممنوعاً والصلاة مخاطرة..
وشيئاً فشيئاً تبدد الليل ولاح الصبح وانقشعت الغيامة..
دخل الحجاب القصر الجمهوري وظهر الخمار والنقاب، سددت تركيا ديونها بالكامل وزحفت نحو أقوى عشرة اقتصاديات في العالم ودخل الجنرالات السجون وخرس الإعلام المأجور وقامت تركيا بفضل الله ثم بفضل التيار الإسلامي الإخواني..
وأصبح أردوغان أمير القلوب في تركيا والعالم الإسلامي وأدهش ورفاقه العالم..
ثم أتيحت لهذا التيار الإخواني العملاق فرصة جديدة لكنها ومن جديد في وضع بالغ التعقيد..
أتيح للإخوان في مصر فرصة جديدة لانتشال حالة جديدة شارفت على الموت..
عملاق يعاني من فشل في عمل كافة أجهزته..
مارد يعاني من غيبوبة طويلة ويحتاج إلى من يُجري له أخطر وأعقد عملية جراحية، الخطأ فيها قد يعني النهاية، نهاية المريض ونهاية مشروع الطبيب..
على خطى إخوان تركيا يستهل إخوان مصر رحلة البحث عن تكرار معجزة رفاق تركيا..
وعلى خطى أردوغان الملهم ينطلق مرسي..
لكن مرسي وللحق يبدو مارداً، إنه يدهشنا بسرعة ويبهرنا ويذهلنا، مرسي صندوق مفاجأت بحق..
بدأ رحلته مغموراً وصنفوه احتياطياً وظهر في أيامه الأولى (رجل طيب والكرسي أكبر منه) لكن هذا الهدوء كان يخفي إعصاراً قضى على أحلام خصوم الوطن قبل أن يتمكن أحدهم من أن يرفع يده ليدافع عن نفسه أو يغلق نوافذه وأبوابه أمام الإعصار..
فعلها مرسي أسرع وأقوى بكثير من أردوغان ويبدو أن الإخوان الرائعون سيقدمون في مصر نسخة تركية معدلة، أسرع وأقوى وأضخم..
بقي أن نقول أن نباح خصوم الداخل في طريقه أن يخرس ومن المتوقع أيضاً أن تزداد أعداد (المتحولون)
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الأحزاب:62].
بقي أن نقول لكثير من شباب كتائب الفيس بوك الإسلامي الذين يتكلمون في كل شئ بمنتهى الخفة والاندفاع: اصمتوا قليلاً يرحمكم الله فقد آذيتم فإن من الجهل ماقتل ومن الطيش ما قتل ومن الرغي والهري ما قتل.
خالد الشافعي